بسم الله الرحمن الرحيم
حجّ هشام بن عبدالملك في أيّام خلافة بني أميّة، واقترب من الحجر الأسود ليستلمه، فمنعته حشود الحجيج من الوصول إليه.
قام جنوده ونصبوا له منبراً، فجلس عليه في انتظار أن يخفّ الزّحام ويتمكّن من استلام الحجر الأسود.
وبينما هو على هذه الحال، إذ به يرى الإمام عليّا بن الحسين، زين العابدين. عليهما السّلام.
كان على الإمام عليه السّلام إزارٌ ورداءٌ، وكان من أحسن النّاس وجهاً وأطيبهم رائحة، وبين عينيه علامة السّجود.
أنهى الإمام عليه السّلام الطّواف، ثمّ تقدّم ليستلم الحجر، وإذ بالنّاس يتباعدون من طريقه إجلالاً له وهيبة منه!
فقال شاميّ لهشام: " من هذا يا أمير المؤمنين؟".
أجابه هشام: " لا أعرفه!.".
وصادف في تلك اللحظة وجود الفرزدق الشّاعر العربيّ الكبير، فهتف: " لكنّني أعرفه!.".
وراح ينشد قصيدته الشّهيرة:
يا سائلي أين حل الجــود والكرم*** عنـــــدي بيان إذا طـــــلابه قدموا
هذا الذي تعرف البــطحاء وطأته*** والبيـــــت يعرفه والـــحل والحرم
هذا ابن خير عــــــــباد الله كلهم*** هذا التقــــــــي النقي الطاهر العلم
هذا الذي أحــــــمد المختار والده*** صلى علـــــيه إلهي ما جرى القلم
لو يعلم الركـــن من قد جاء يلثمه*** لخر يلـــــثم منه ما وطـــــي القدم
هذا علي رســــــول الله والـــــده*** أمســـــت بنور هداه تهتدي الأمم
هـــــذا الــــذي عمه الطيار جعفر*** والمقتول حـــــمزة لـيث حبه قسم
هذا ابن سيدة النـــــسوان فـاطمة*** وابن الوصــي الذي في سيفه سقم
إذا رأته قـــــريــش قال قائـــــلها*** إلى مكارم هذا ينتـــــهي الكـــــرم
يكاد يمـــــسكه عــــــرفان راحته*** ركن الحـــــــطيم إذا ما جاء يستلم
ولـيــــــس قولك من هذا بضائره*** العرب تــــعرف من أنكرت والعجم
ينـمي إلى ذروة العز التي قصرت*** عن نـــــيلها عرب الإسلام والعجم
يــغضي حياء ويُغضى من مهابته*** فما يـــــــكلم إلا حين يبـــــتســـــم
ينجاب نور الدجى عن نور غرته*** كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم
بكفه خـــــيزران ريـــــحــه عبق*** من كــــف أروع في عرنـينه شمم
ما قال (لا) قـــــط إلا فـــــي تشهده*** لولا التشـــــهد كانــــت (لاؤه) نعـــم
مشتقة من رسول الله نـــــبـــعته*** طابت عناصـــــره والخــيم والشيم
حمال أثـــــقال أقوام إذا فدحـــــوا*** حلو الشـــــمائل تحــــلو عنده نعم
إن قال قال بما يهوى جميــــــعهم*** وإن تكـــــلم يومـــــا زانه الــــكلم
هذا ابن فاطمة إن كنت جــــــاهله*** بجده أنـــــبياء الله قـــــد خــــتموا
الله فــــــضله قـــــدما وشـــــرفه*** جـــــرى بذاك له فــــي لوحه القلم
من جده دان فضــــــل الأنبياء له*** وفضـــــل أمـــــــته دانت لها الأمم
عم البرية بالإحسان وانقشـــــعت*** عـــــنها العماية والإمــلاق والظلم
كلتا يديه غيـــــاث عم نفــــــعهما*** يســـــتوكفان ولا يــــعروهما عدم
سهل الخليفة لا تخـــــشى بوادره*** يزينه خصـــــلتان الحـــــلم والكرم
لا يخلف الوعد ميــــــمونا نقيبته*** رحب الفـــــناء أريـــب حين يعترم
من معشر حبهم دين وبغضـــــهم*** كفر وقــــــربهم منجى ومـــــعتصم
يستدفع السوء والبــــلوى بحبهم*** ويســـــتزاد به الإحســــــان والنعم
مقـــدم بـــــعد ذكر الله ذكـــــرهم*** في كل فرض ومختـــــوم به الـــكلم
إن عد أهل التـــــقى كانوا أئمتهم*** أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
لا يستطــــــــيع جواد بعد غايتهم*** ولا يـــــدانيهم قـــــــوم وإن كرموا
هم الغيوث إذا ما أزمـــــة أزمــت*** والأسد أسد الشرى والبأس مـحتدم
يأبى لهم أن يحل الذم ساحـــــتهم*** خـــــيم كريم وأيـــــد بالندى هضـم
لا يقبض العسر بســطا من أكفهم*** سيـــــان ذلك إن أثروا وإن عدموا
إن القـــــبائل ليست في رقابـــهم*** لأوليـــــة هـــــذا أو لـــــه نعــــــم
من يعرف الله يـــــعرف أولـية ذا*** فالدين مـــــن بـــيت هذا ناله الأمم
بيوتهم في قريــــش يستضاء بها*** في النائبات وعند الحـكم إن حكموا
فجده من قـــــريش في أرومـــتها*** محـــــمد وعلي بـــــعـــده عـــــلم
بدر له شاهد والشــــــعب من أحد*** والخندقان ويوم الفــــتح قد علموا
وخـــــيبر وحنين يشـــــــهدان له*** وفـــــي قريظة يوم صـــــيلم قتــم
مواطن قد علـــــت في كل نائـــبة*** عـــــلى الصحابة لم أكتم كما كتموا[b]